<table cellSpacing=0 cellPadding=0 width="100%" border=0><tr><td colSpan=2> قد أوضح علماء الإسلام حكمة تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم و التي يجملها أنه بتعدد نساءه :
1- يكثر مشاهدة أحواله الباطنة ، فيزداد ظهور صدقه و ينتفي ما يرميه به المشركون من سحر و سواه. كما أن اطلاع هؤلاء على أحواله الباطنة و كمالاته تظهر قيمته إذا علمنا أن منهن أم حبيبة و صفية ، و كلتاهما يومئذ ابنتا عدويه ، فلو لم يكن أكمل الخلق إيماناً و أحسنهم أخلاقاً لنفرتا منه ، و قد تحقق خلافه في حياتهما رضي الله عنهما .
2- لتتشرف به قبائل العرب بمصاهرتهم له ، و يتألف قلوبهم بذلك إلى الإسلام ، كما يكثر بذلك عشيرته من جهة نسائه فتزداد أعوانه على عدوه ، و يدرك هذا من عرف أهمية المصاهرة عند العرب ، و قد كان زواجه بجويرية بنت الحارث المصطلقية سبباً في إسلام قومها.
3- و من حكم تعدد نسائه أن يكثر نقلة أحوال النساء إليه كما أن يتعلم نساءه منه و من أحواله ما يبلغنه إلى سائر النساء من أحكام خاصة بالنساء و يستحى من سؤاله عنها.
4- ضرورة التشريع كما سيأتي تفصيله في قصة زواج زينب ، و أيضاً ليقتدي به رجال أمته في العدل بين النساء على كثرتهن و عدم الانشغال بهن عن أمر آخرته ، كما يقتدى به عليه السلام في إعالة من لا معيل لها على كثرة أعبائه و واجباته عليه الصلاة و السلام .
و قد أنصف نظمي لوقا في كتابه " محمد في حياته الخاصة " حين قال : " هؤلاء زوجاته اللواتي بنى بهن، و جمع بينهن لم تكن واحدة منهن هدف اشتهاء كما يزعمون، و ما من واحدة منهن إلا كان زواجه بها أدخل في باب الرحمة و إقالة العثار و المواساة الكريمة ، أو لكسب مودة القبائل و تأليف قلوبها بالمصاهرة و هي بعد حديثة عهد بالدين الجديد ، هي ضريبة واجبة إذن أو ضريبة مكانة و زعامة.. و ما كان من الهين على رسول قائد جيش و حاكم دولة محاربة أن يزيد أعباءه بما يكون في بيت كثير النساء من خلافات على صغائر الأمور…و لكنه الواجب : واجب الدعوة أو واجب النخوة…واجب أقدم البعض على استغلاله استغلالاً منكراً ، فرأينا من يعضلها أن تجد زوجاً لا ترعى الحشمة و تذهب للرسول صلى الله عليه وسلم تعرض عليه نفسها متطاولة إلى شرف أمومة المؤمنين…و يسكت محرجاً لا يريد أن يجرح كرامة تلك المرأة المجترئة عسى أن تنصرف عنه و هو يعلم قبوله الزواج من مثلها سيفتح عليه باباً لا قبل له به ، و لولا أن أحد أصحابه جعل نفسه فداء للرسول في ذلك الزواج بالهبة ، لأوذي في حيائه بإحدى خطتين : إما التورط في القبول أو المجاهرة بالرفض الصريح…
و أنقذه القرآن بعد ذلك من مثل هذا التورط الفادح ، فحرم عليه بصريح النص في سورة الأحزاب (الآية :52) ."وهو قوله { لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيباً }
و أما الإذن له صلى الله عليه وسلم بزيادة الزوجات عن أربع ، ثم منع المؤمنين من نكاح نسائه من بعده فهي من خصوصياته عليه السلام التي جعلها الله له فكما خصه بوجوب قيام الليل ، و أذن له بوصال الصيام ، و منعه من توريث ماله لورثته . فكما خصه بذلك خصه بهاتين الخصلتين.
و في التوراة أن الله يخص الهارونيين المسئولين عن الكهانة في بني إسرائيل بأحكام خاصة ، فلا عجب أن يخص نبي بها . و قد قال تعالى { ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل و كان أمر الله قدراً مقدوراً } .
ثم إن تحريم نساءه من بعده أمر طبيعي إذ هو صلى الله عليه وسلم لأمته بمنزلة الأب ، و هن أمهات المؤمنين ، و لا يليق بالمرء أن يتزوج بمن لها اعتبارياً منزلة الأم ، كما أن الإذن بنكاح نساءه من بعده قد يطمع أحداً بنكاح إحداهن بعده ، فيتوق لموت النبي و هي مهلكة قطع الله طريقها بتحريم نكاح نسائه صلى الله عليه وسلم .
و أما قصة زواجه من زينب و قد تلقفها النصارى من روايات لا تصح ، رواها الطبري و ابن إسحاق ، و يظهر ضعفها إذا تأملنا ما فيها من تناقضات ، و عرفنا أن وجود هذه الروايات في كتب المسلمين لا يعني صحتها ، و قد ذكر الطبري في مقدمة تاريخه وجود روايات منكرة عنده وعند القارئ يقول عنها : " فليعلم (أي القارئ) أنه لم يؤت من قبلنا ، و إنما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا ، و أنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا" .
و قد أحسن ابن كثير حين قال عن هذه الروايات : " ذكر ابن أبي حاتم و ابن جرير ههنا آثاراً عن بعض السلف رضي الله عنهم أحببنا أن نضرب عنها صفحاً لعدم صحتها فلا نوردها… لكن الله تعالى أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم أنها (أي زينب) ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها ، فلما جاءه زيد رضي الله عنه ليشكوها إليه قال : { أمسك عليك زوجك و اتق الله } ، و قد ذكر أصحاب السير أن زينب كانت تستعلي بنسبها القرشي على زيد المولى ، فاستحالت الحياة بينهما ، فأتى زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكوها و يستأذنه في طلاقها فأمره الرسول بإمساكها ، فقد استصعب أمر زواجها لما يعلمه الناس من أنها زوجة متبناه ، و لقد صرح القرآن الكريم بأن الأمر الإلهي كان لحكمة تشريعية و هي إبطال التبني.
و مما يؤكد ضعف رواية ابن إسحاق و روايتي الطبري أن زينب كانت ابنة عمته صلى الله عليه وسلم و هو الذي خطبها لزيد ، و محاسنها لا تخفى عليه و قد رآها منذ طفولتها ، فكيف يقال بأنه فتن بها بعد ذلك ، فكأنه لم يرها من قبل!! .
فلا يجوز للنصارى أن يعجبوا من أمر الله نبيه بالزواج من مطلقة متبناه لإبطال عادة التبني المتجذرة في المجتمع العربي ، إذ هم يقولون بأمور أغرب من ذلك ينسبونها لله منها أنه أمر نبيه هوشع بنكاح زانية (انظر هوشع 1/2-3) ، و أمر إشعيا بأن يمشي مكشوف العورة عرياناً بين الرجال و النساء ثلاث سنين (انظر إشعيا 20/2-4).
فتلك الأوامر و أمثالها تليق عندهم في حق الله ، و لا تحط من منزلة الأنبياء ، أما أن يتزوج رسول الله بمطلقة زيد بعد انتهاء عدتها فهذا يحط من منزلة النبوة .
و أما تحريم النبي صلى الله عليه وسلم لمارية ثم كفارته عن ذلك اليمين فهو أمر تقره الشريعة ، و يقع به سائر الناس ، فيعود أحدهم عما كان قد عزم عليه ، و لكن العجب من أن النصارى لاتجيزه فيما يخص رسول الله صلى الله غليه وسلم ، وقد جعلته جائزاً في حق الله عز و جل إذ جعلت الله عز و جل يندم على بعض فعله أو أمره - كما سبق بيانه - و قد حكوا ذلك أيضاً عن المسيح عليه السلام كما في قصة المرأة الكنعانية التي أبى شفاء ابنتها ، ثم بعد جدل و رجاء من التلاميذ قبل ذلك (انظر متى 15/ 21-2:( و مثله صنع لما طلبت منه أمه تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا فرفض ، ثم صنع ذلك (انظر يوحنا 2/3-4).
والقصة التي تعلق بها النصارى ذكرت في سياق ما ذكره علماؤنا في سبب نزول سورة التحريم ، وهي رواية مرسلة إلى زيد بن أسلم ، وليس فيه رواية مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
والصحيح في سبب نزول آيات سورة التحريم ما جاء في رواية البخاري أنه صلى الله عليه وسلم حرم على نفسه العسل ، فنـزلت الآيات .
ورغم هذا الركام من الأراجيف فإن كلمة الحق تأبى إلا أن تعلن عن نفسها صريحة مدوية من أولئك النصفين ، ومنهم الكاردينال ترانكون رئيس أساقفة أسبانيا حيث قال في قرطبة في المؤتمر الثاني للحوارعام 1977 م :" يريد المجمع البابوي منهم أن يعربوا عن احترامهم لنبي الإسلام ، ولن أحاول هنا تعداد قيم نبي الإسلام الرئيسية ، الدينية منها والإنسانية ، غير أني أريد أن أبرز جانبين إيجابيين - ضمن جوانب أخرى عديدة - وهي إيمانه بتوحيد الله وانشغاله بالعدالة ".
وفي نفس المؤتمر قال د ميجل ايرنا ثدث :" لا يوجد صاحب دعوة تعرض للتجريح والإهانة ظلماً على مدى التاريخ مثل محمد , إن الأفكار حول الإسلام والمسلمين ونبيهم استمرت تسودها الخرافة حتى نهاية القرن الثاني عشر الميلادي … لقد سبق أن أكدت في مناسبة سابقة الاستحالة من الوجهة التاريخية والنفسية لفكرة النبي المزيف التي تنسب لمحمد ما لم نرفضها بالنسبة إلى إبراهيم وموسى وأصحاب النبوات الأخرى ... وفيما يتعلق بي فإن يقيني أن محمداً نبي لدرجة أني حاولت في دراسة لي كتبت عام 1968 م أن أشرح أن محمداً كان نبياً حقاً من وجهة النظر الدينية المسيحية ".
وفي المؤتمر التبشيري الثالث للإنجليكانيين ( 1963 ) قال كانون وارن :" لقد تجلى الله بطرق مختلفة ، ومن الواجب أن تكون لدينا الشجاعة الكافية لنصر هلى القول بأن الله كان يتكلم في ذلك الغار الذي يقع في تلك التلال خارج مكة ".
</TD></TR></TABLE> |