بلغني أيها العشاق أن قمر الزمان لما توجه إلى العجوز، وأخبرهما بما جرى وقال له: أنها قالت لي كذا وكذا وقلت لها كذا
وكذا فهل عندك أكثر من هذا التدبير حتى يوصلني إلى الاجتماع بها جهاراً؟ فقالت: يا ولدي إلى هنا انتهى تدبيري وفرغت
حيلي فعند ذلك تركها وتوجه إلى الخان ولما أصبح الصباح توجه إليه الجوهري عند المساء وعزمه فقال له: لا يمكن أن
أروح معك فقال له: لماذا وأنا أحببتك وما بقيت أقدر على فراقك فبالله عليك أن تمضي معي فقال له: أن كان مرادك طول
العشرة معي ودوام الصحبة بيني وبينك فخذ لي بيتاً بجانب بيتك وأن شئت تسهر عندي وأنا أسهر عندك وعند النوم يروح كلٌ
منا إلى بيته وينام فيه.
فقال له: أن عندي بيتاً بجانب بيتي وهو ملكي فامض معي في هذه الليلة وفي الغد أخليه لك فمضى معه وتعشيا وصليا العشاء
وشرب زوجها الفنجان الذي فيه العمل فرقد وفنجان قمر الزمان لا غش فيه فشربه ولم يرقد فجاءته وقعدت تسامره إلى
الصباح وزوجها مرميٌ مثل الميت ثم أنه صحا من النوم على العادة وأرسل أحضر الساكن وقال له: يا رجل أخل إلي بيتي
فأني قد احتجت إليه فقال له: على الرأس والعين فأخلاه له وسكن فيه قمر الزمان ونقل جميع مصالحه فيه وفي تلك الليلة
سهر الجوهري عند قمر الزمان، ثم راح إلى بيته وفي ثاني يوم أرسلت الصبية إلى معماري ماهر فأحضرته وارغبته بالمال
حتى عمل لها سرداباً في قصرها يوصل إلى بيت قمر الزمان وجعل له طابقاً تحت الأرض فما يشعر قمر الزمان إلا وهي
داخلةٌ عليه، ومعها كيسان من المال فقال لها: من أين جئت؟ فأرته السرداب وقالت له: خذ هذين الكيسين من ماله وقعدت
إلى الصباح.
ثم قالت له: انتظرني حتى أروح له وانبهه ليذهب إلى دكانه وآتي لك فقعد ينتظرها وانصرفت لزوجها وأيقظته فقام وتوضأ
وصلى وذهب إلى الدكان وبعد ذهابه أخذت أربعة أكياسٍ وراحت إلى قمر الزمان من السرداب وقالت له: خذ هذا المال
وجلست عنده ثم انصرف كل منهما إلى حال سبيله فتوجهت إلى بيتها وتوجه قمر الزمان إلى السوق ولما رجع في وقت
المغرب رأى عنده عدة أكياسٍ وجواهرٍ وغير ذلك ثم أن الجواهري جاء به في بيته وأخذنا إلى القاعة وسهر فيها هو وإياه
فدخلت الجارية على العادة واسقتهما فرقد سيدها وقمر الزمان ما أصابه شيءٌ لأن فنجانه سالمٌ لا غش فيه، ثم أقبلت إليه الصبية
وجلست معه وصارت الجارية تنقل المصالح إلى بيته من السرداب ولم يزالوا على هذه الحالة إلى الصباح.
ثم أن الجارية نبهت سيدها واستقهما القهوة وكلٌ منهما راح إلى حال سبيله وفي ثالث يومٍ أخرجت له سكيناً كانت لزوجها وهي
صياغته وبيده كلفها خمسمائة دينارٍ ولم يوجد لها مثيلٌ في حسن الصياغة ومن كثرة ما طلبها منه الناس وضعها في صندوقٍ
ولم تسمح نفسه ببيعها لأحد من المخلوقين ثم قالت له: خذ هذه السكين في حزامك ورح إلى زوجي واجلس عنده وأخرجها من
حزامك وقل له: يا معلم انظر هذه السكين فأني اشتريتها في هذا اليوم وأخبرني هل أنا مغلوبٌ فيها أو غالب فأنه يعرفها
ويستحي أن يقول لك هذه سكيني فأن قال لك: من أين اشتريتها وبكم أخذتها؟ فقل له: رأيت اثنين من اللاوندية يتقاتلان مع
بعضهما فقال واحدٌ منهما للأخر: أين كنت؟ قال: كنت عند صاحبتي وكلما اجتمع معها تعطيني دراهم.
وفي هذا اليوم قالت لي: أن يدي لا تطول دراهم في هذا الوقت ولكن خذ هذه السكين فأنها سكين زوجي فأخذتها ومرادي بيعها
فأعجبتني السكين ولما سمعته يقول ذلك قلت له: أتبيعها لي؟ فقال: اشتر، فأخذتها منه بثلثمائة دينارٍ فيا ترى هل هي رخيصةٌ
أو غاليةٌ وانظر ما يقول لك ثم تحدث معه مدةً وقم من عنده وتعال إلي بسرعة فتراني قاعدةً في فم السرداب أنتظرك فأعطني
السكين فقال لها سمعاً وطاعةً، ثم أخذ تلك السكين وحطها في حزامه وراح إلى دكان الجوهري فسلم عليه ورحب به وأجلسه
فرأى السكين في حزامه فتعجب وقال في نفسه: أن هذه سكيني ومن أوصلها إلى هذا التاجر؟ وصار يفكر في نفسه ويقول: ي
ا ترى هي سكيني أو سكين تشابهها؟ وإذا بقمر الزمان أخرجها وقال: يا معلم خذ هذه السكين وتفرج عليها، فلما أخذها من يده
عرفها حق المعرفة وأستحى أن يقول هذه سكيني ثم قال له: من أين اشتريتها. فأخبره بما أوصته به الصبية فقال له: هذه بهذا
الثمن رخيصةٌ لأنها تساوي خمسمائة دينارٍ، وانقادت النار في قلبه وارتبطت أياديه عن الشغل في صنعته وصار يتحدث معه
وهو غريقٌ في بحر الأفكار وكلما كلمه الغلام خمسين كلمةً يرد عليه بكلمةٍ واحدةٍ وصار قلبه في عذابٍ وجسمه في اضطراب
وتكدر منه الخاطر فلما رآه تغيرت حالته قال له: لعلك مشغولٌ في هذه الساعة ثم قام من عنده وتوجه إلى البيت بسرعةٍ فرآها
واقفةٌ في باب السرداب تنتظره، فلما رأته قالت له: هل فعلت كما أمرتك؟ قال: نعم، قالت: ما قال لك؟ قال لها إنها أنا
رخيصةٌ بهذا الثمن لأنها تساوي خمسمائة دينارٍ، ولكن تغيرت أحواله فقمت من عنده ولم أدر ما جرى بعد ذلك فقالت: هات
السكين وما عليك منه ثم أخذت السكين وحطتها في موضعها وقعدت. هذا ما كان من أمرها.
وأما ما كان من أمر الجوهري، فأنه بعد ذهاب قمر الزمان من عنده التهبت بقلبه النار وكثر عنده الوسواس وقال في نفسه: لا
بد أن أقوم وأتفقد السكين وأقطع الشك باليقين وأتى البيت ودخل على زوجته وهو ينفخ مثل الثعبان فقالت له: مالك يا سيدي؟
فقال لها: أين سكيني؟ قالت: في الصندوق، ثم دقت صدرها بيدها وقالت: يا همي لعلك تخاصمت مع أحد فأتيت تطلب
السكين لتضربه.
قال لها: هات السكين أريني إياها قالت: حتى تحلف أنك لا تضرب بها أحداً فحلف لها ففتحت الصندوق وأخرجتها له فصار
يقلبها ويقول: أن هذا شيءٌ عجيبٌ، ثم أنه قال لها: خذيها وحطيها في مكانها. قالت له: أخبرني ما سبب ذلك؟ قال لها: أني
رأيت مع صاحبنا سكيناً مثلها وأخبرها بالخبر كله ثم قال: لما رأيتها في الصندوق قطعت الشك باليقين فقالت له: لعلك ظننت
بي وجعلتني صاحبة اللاوندي وأعطيته السكين فقال لها: نعم أني شككت في هذا الأمر ولكن لما رأيت السكين ارتفع الشك
من قلبي فقالت له: يا رجل أنت ما بقي فيك خيرٌ فصار يعتذر إليها حتى أرضاها. ثم خرج وتوجه إلى دكانه وفي ثاني يوم
أعطت قمر الزمان ساعة زوجها وكان يضعها بيده ولم يكن أحد يملك مثلها، ثم قالت له: رح إلى دكانه واجلس عنده وقل
له: أن الذي رأيته بالأمس رأيته في هذا اليوم وفي يده ساعة وقال له: أشتري هذه الساعة فقلت له. من أين لك هذه الساعة؟
قال: كنت عند صاحبتي فأعطتني إياها فاشتريتها منه بثمانية وخمسين ديناراً فانظر هل هي رخيصةٌ بهذا الثمن أو غاليةٌ
وانظر ما يقول وإذا قمت من عنده فأتني بسرعة وأعطني إياها، فراح إليه قمر الزمان وفعل معه ما أمرته به فلما رآها
الجوهري قال: هذه تساوي سبعمائة دينارٍ داخله الوهم. ثم أن الغلام تركه وراح إلى الصبية وأعطاها تلك الساعة وإذا
بزوجها دخل ينفخ وقال لها: أين ساعتي؟ قالت له: ها هي حاضرةٌ قال لها: هاتيها فأتته بها فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله
العلي العظيم فقالت له: يا راجل ما أنت بلا خبرٍ فأخبرني بخبرك فقال لها: ماذا أقول أني تحيرت في هذه الحالات ثثم قال:
يا امرأة أني وجدت مع التاجر صاحبنا أولاً سكيني وقد عرفتها لأن صياغتها اختراعٌ من عقلي ولا يوجد مثلها وأخبرني
بأخبار تغم القلب وأتيت فرأيتها معه الساعة ثانياً وصياغتها أيضاً اختراعٌ من عقلي وليس يوجد مثلها في البصرة وأخبرني
بأخبار تغم القلب فتحيرت في عقلي وما بقيت أعرف ما جرى لي فقالت له: مقتضى كلامك أني أنا خليلة ذلك التاجر
وصاحبته وأعطيته مصالحك وجوزت خيانتي فجئت تسألني ولو كنت ما رأيت السكين والساعة عندي كنت أثبتت خيانتي
ولكن يا رجل حيث أنك ظننت بي هذا الظن ما بقيت أوكلك في زادٍ ولا أشاربك في ماءٍ بعد هذا فأني كرهتك كراهة التحريم
فصار يأخذ بخاطرها حتى أرضاها، ثم خرج وتندم على مقابلتها بمثل هذا الكلام وتوجه إلى دكانه وجلس.
مولاتى كوكوكو كوكوكوكو >>>>>>>>>>>>>